شاركت الأستاذة الدكتورة زينب زيود الأمين العام للجمعية العلمية لكليات التربية ومعاهدها في الجامعات العربية في المؤتمر التربوي الدولي المدمج 2021 “تحولات الممارسات التعليمية- التعلّمية في زمن كورونا: بين التحديات والواقع” الذي تم عقده في مركز الدراسات والأبحاث التربوية في كلية التربية بالجامعة اللبنانية بحضور أكثر من خمسين باحثاً عربياً ولبنانياً بتاريخ 28-29/10/2021، حيث تضمنت مشاركة الأمين العام للجمعية ما يلي:
في الحادي عشر من اذار 2020 اعتبرت منظمة الصحة العالمية كوفيد -19 بأنه جائحة وطلبت من الحكومات التأهب للموجة الاولى كطارئة صحية عامة من خلال تطبيق عدة اجراءات فردية واجتماعية عامة. هذه الاجراءات استدعت لجوء الحكومات الى الاغلاقات الجزئية والكلية مما انعكس على عمل المؤسسات التربوية كباقى مؤسسات المجتمع وباتت هذه المؤسسات التربوية مطالبة بمتابعة التعليم عن بعد. ومن أبرز المسميات التي عرف بها التعليم عن بعد: التعليم والتعلم بالمراسلة، والتدريس عن بعد، كما عرف بالتعليم المفتوح، إضافة لتسميته بالتعليم الالكتروني.
ويعرف التعليم عن بعد على انه استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مثل الهواتف الذكية والحواسيب لإعطاء وتلقي المحاضرات خارج القاعات التدريسية. وذلك يتم بتوافق طوعي بين المدرس والمتعلم.
والتعليم عن بعد، هو العملية التي يستخدم بها الطلاب الإنترنت لحضور الفصول الدراسية واستكمال الدراسة، دون الحاجة إلى حضور مدرسة ماديًا.
وبالتالي كان على العديد من الجامعات أن تضع خططًا للتعليم عبر الإنترنت وأن تجعل كل من المعلمين والطلاب على دراية بتقنيات التعلم عن بعد.
ولكن هناك عدد من الجوانب احتاجت الى تحديد وتوضيح فيما يخص التعليم عن بعد ومنها مدة المحاضرة وحجم المقرر والوظائف والتدريب العملي، وهذا ما يدفع الانظمة التربوية الى وضع أدلة للاستجابة لهذه الحالات الاستثنائية وبهدف ضمان استمرارية التعليم، فلقد أصبح للزمن معنى مختلف في ظل التطورات المتسارعة حيث يتداول الان مصطلح الوقت المرن
لقد عرضت أزمة جائحة كورونا العالم الى صدمة واظهرت عجز الدول عن المواجهة الامر الذي تطلب من هذه الدول اتخاذ قرارات وخطوات سريعة من اجل الحد من انتشار الجائحة
وبالرغم من قناعتي بان التعليم تجربة اجتماعية وتبادلا طويلا ومتعددا وحوارا مشتركاً، إلا أن حالة من الفوضى او حالة استثنائية داخل المجتمع العلمي التي خلقها فيروس كورونا أدت الى فرض قيود على العملية التعليمية، وبالتالي كان لابد من اللجوء الى الخطة (ب) وعقد اللقاءات التدريسية الالكترونية.
- تجارب كليات التربية في التعليم عن بعد (التحديات والحلول)
فرضت جائحة كورونا واقعًا مختلفًا من حيث أساليب التعليم والتعلم في كليات التربية، وقد تفاوتت نسب اعتماد التعليم عن بعد في كليات التربية في العالم العربي، تبعاً للإمكانات التقنية والمادية، ومستوى مهارة أعضاء الهيئة التدريسية والطلاب في استخدام التعليم الإلكتروني والاستراتيجيات والمهارات المطلوبة لدعم عملية التعليم عن بعد.
إن مجال التربية والتعليم من أهم المجالات التي يجب أن تهتم بدمج التكنولوجيا في بنبتها التعليمية كونها تعتبر أساس تركن عليه المجالات الاخرى. وهذه الجائحة دفعت التعليم الالكتروني نحو الواجهة حيث توجهت غالبية المؤسسات التعليمية نحو التعليم الالكتروني كبديل لضمان استمرارية العملية التعليمية فنحن نعيش الان عصر الرقمنة والتكنولوجيا بأوضح صوره.
هناك العديد من الإيجابيات لعنصر التكنولوجيا في التعلم عن بعد.
يستطيع العديد من الطلاب تعلم التكنولوجيا الجديدة والتفوق فيها.
يمكن أن يشعروا بالثقة في قدراتهم التكنولوجية وحتى أن يذكروا في سيرتهم الذاتية أنواع البرامج التي استخدموها كجزء من دوراتهم الدراسية.
امكانية متابعة التعليم من أي مكان به اتصال بالإنترنت. لا يتعين على الطلاب الذهاب إلى الحرم الجامعي للتعلم. بفضل التكنولوجيا، يمكن أن يصبح أي مكان غرفة صفهم.
أدى ظهور الأدوات الافتراضية مثل Zoom و Slack و Blackboard و Google Classroom إلى تسهيل مشاركة المعلومات والاتصال على الطلاب والمدرسين.
تدعم الأبحاث أيضًا حقيقة أن الشهادات عبر الإنترنت أصبحت أكثر احترامًا في نظر أصحاب العمل. وفقًا لمسح أجرته Career Builder ، يقول 83 ٪ من المديرين التنفيذيين أن الشهادة عبر الإنترنت موثوقة مثل تلك التي يتم الحصول عليها من خلال برنامج تقليدي. وجدت دراسة مماثلة أن 61٪ من قادة الموارد البشرية يرون أن بيانات الاعتماد عبر الإنترنت مساوية لتلك المكتملة شخصيًا.
ومن التحديات التي واجهت كليات التربية في التعليم عن بعد في العالم العربي:
- مدى جاهزية أعضاء الهيئة التدريسية والطلبة لهذا النوع من التعليم والذي يتطلب خبرة تقنية وأجهزة حديثة.
- موضوع المقررات العملية، التربية العملية و (التدريب الميداني)
- تكييف المادة العلمية وطرائق التدريس وأساليب تقييم الطلبة لتتناسب مع الواقع الجديد ومع احتياجات وظروف الطلبة
- مدى توفر شبكات الإنترنت التي تمكن الاساتذة والطلبة من التواصل الفعّال: ففي بعض الأحيان سيجد الاساتذة والطلاب أن هناك صعوبات تقنية في التعلم عبر الإنترنت. قد تمر أيام لا يعمل فيها الإنترنت، وتعطل البرامج يمنع الطلاب والاساتذة من الوصول إلى المحاضرات الخاصة بهم. مما يسبب الاحباط للعديد من الطلاب
الحلول التي لجأت اليها كليات التربية في العالم العربي:
- تم تطبيق منهج التعليم الالكتروني بشكل كامل بالكليات التي امتلكت الامكانيات التقنية حيث تم تنفيذ مختلف مهامها وانشطتها خصوصا في تنفيذ التدريب الميداني.
- تم اتباع الية التعليم الهجين أو المدمج وهو تعليم مزيج من الدروس في القاعات التدريسية والتعليم عن بعد. كما حصل في كلية التربية في جامعة دمشق
- بالنسبة للتربية العملية والتدريب الميداني: كان لابد من تحول التدريس من الواقع الميداني في المدارس إلى الاكتفاء بإرسال وعرض دروس مسجلة من تصميم الطلاب للحصول منهم على التغذية الراجعة، او اللجوء الى التعليم المصغر في كليات اخرى (دمشق).
- بالنسبة للمقررات العملية لجأت الكليات الى إيجاد الحلول وطرق التدريس المناسبة، وتمثلت أفضلها في المحاضرات المتزامنة والبيان العملي وقيام الطلبة بتكراره بشكل فردي بالإضافة إلى الفيديوهات التوضيحية وعروض خطوات ومراحل التنفيذ، والاعتماد على بعض البدائل من برامج الكمبيوتر المتخصصة
- تم تحميل المقررات النظرية على المواقع الالكترونية والمنصات.
- اعتماد المشاريع والعروض المسجلة واختبار الكتاب المفتوح والمنزلي والاختبار الإلكتروني المتزامن وملفات الإنجاز والمنتديات والمنصات.
- اجراء برامج تدريبية للأساتذة والاداريين والطلاب لتمكينهم من استخدام تقنيات التعليم عن بعد.
- الطلب من اعضاء الهيئة التعليمية التجاوب الكترونيا مع الطلاب حتى فيما يتعلق بالجانب العملي
كما أن هذه الظروف الاستثنائية وسرعة التغييرات تدفعنا كتربويين الى اعادة نظر في اهداف وخطط العملية التربوية، وأن يكون الهدف الاهم ( من وجهة نظري) هو رفع قدرة التكيف لدى الفرد المتعلم وانه لم يعد كافيا معرفة الماضي والحاضر الذي سيتلاشى، بل يجب أن يتعلم كيف يحتسب اتجاه معدل التغيير وان يتوقعه، وان المهارات المتعلمة اليوم قد لا تنفع في الغد وبالتالي يجب اعتماد الحذف والاضافة باستمرار، وعدم تضمين المنهاج أي مادة مالم تبرر احتياجات المستقبل ضرورتها تبريراً قوياً.
- البحث العلمي في كليات التربية في ظل جائحة كورونا:
نظرا لأهمية وظيفة كليات التربية في خدمة المجتمع والبحث العلمي لابد من الاشارة الى تأثر هذا الدور بجائحة كورونا. لقد باتت الحاجة ملحة أكثر لتعزيز دور البحث العلمي في ايجاد حلول المشكلات الصحية والاجتماعية والتربوية والنفسية. أزمة كورونا كشفت الفجوة العلمية الكبيرة بيننا وبين الدول المتقدمة والمهتمة بالبحث العلمي
وأظهرت ضعف اهتمام الدول العربية بشكل عام بالبحث العلمي حيث أن الدول العربية تنتظر الدول المتقدمة بالبحث العلمي لاكتشاف العلاجات واللقاحات حتى تقوم باستيرادها منها
بالأصل فإن البحث العلمي العربي يشهد مجموعة من التحديات الكبيرة، وزادت عليها أزمة كورونا.
وأزمة كورونا كشفت عن الواقع الحقيقي للبحث العلمي وما يعانيه من قلة في الموارد اضافة لقلة شديدة في الافادة من نتائجه. وقد أضافت هذه الجائحة عدد آخر من الصعوبات التي باتت تعترض البحث العلمي، وقد كانت البحوث الميدانية أكثر أنواع البحوث تأثرا بالجائحة حيث وضعت في طريق انجازها صعوبات كثيرة تمثلت في:
- الاغلاقات المتتالية التي فرضت، وسياسة التباعد المكاني التي طبقت مما منع الباحثين من الزيارات الميدانية للمبحوثين في أماكن تواجدهم
- صعوبة وصول الباحث الى حجم العينة المناسب احصائيا وهذا انعكس على مصداقية الدراسات.
- صعوبة التزام الباحث بوقت محدد لإنجاز بحثه واستغراق البحوث أوقات طويلة
- صعوبة اجراء البحوث الاجتماعية وتدني الدعم المادي
وبصفتي امين عام الجمعية العلمية لكليات التربية ومعاهدها في الجامعات العربية لا بد أن أشير الى أحد الاهداف الاساس للجمعية هو تشجيع البحث العلمي والبحوث المشتركة تبادل نتائجها اضافة لعقد الندوات والمؤتمرات العلمية المتخصصة
وايمانا من الجمعية العلمية بأهمية البحث والنشر العلمي تم اصدار مجلة اتحاد الجامعات العربية للتربية وعلم النفس وهي مجلة علمية محكمة تصدر اعداد منتظمة بشكل فصلي منذ عام 2003حاصلة على العديد من معاملات التأثير . وهي مجلة معتمدة لنشر ابحاث اعضاء الهيئة التدريسية والطلبة وتلتزم منهجية البحث العلمي وخطواته المتعارف عليها عالميا
تمتلك المجلة رقم دولي معياري وموقعاً الكترونياً تفاعلياً وتسعى حاليا لتسجيلها في قواعد البيانات سكوباس
وفي ضوء الصعوبات المفروضة تم اتخاذ بعض الاجراءات لمواجهة الاوضاع الجديدة التي فرضتها الجائحة وأهمها:
- تقبل البحوث على الايميل سواء من الباحث او للمحكم.
- تتم عملية التحكيم بشكل الكتروني من خلال برنامج خاص بذلك ويتم أرشفة كافة الوثائق المتعلقة بعمليات التحكيم والنشر
- قبول تطبيق الادوات من خلال وسائل التواصل ولتحقيق المصداقية يتم الطلب من الباحثين ارفاق ادواتهم وبياناتهم الاحصائية مع البحث وذلك من منطلق ضرورة تطوير المناهج والادوات البحثية كي تناسب الحالة الراهنة التي فرضتها كورونا بما يسهم بتسهيل عمل الباحثين وتحقيق مصداقية البحوث الميدانية
- منح موافقات النشر الكترونيا وورقياً، إضافة لتوافر ميزة التحقق من صحة الوثائق وموافقات النشر عبر الموقع الالكتروني للمجلة
- تم تحديث موقع الجمعية والمجلة الالكتروني بما يتناسب مع أفضل المعايير والمواصفات للمجلات العالمية ويحوي الموقع معلومات مفصلة عن الجمعية ويتم نشر أبحاث اعداد المجلة فيه كما يمكن للباحثين تقديم ومتابعة أبحاثهم عبره.
- تم انشاء حساب على التلغرام يمكن من خلاله للباحث متابعة تحكيم بحثه من (ملاحظات او رفض أو قبول نشر).
أخيرا لا بد لي من الاشارة أنه ولغاية تاريخه تم تحكيم حولي 2485 بحثاً، تمت الموافقة على ما نسبته 72% من الابحاث المقدمة، وتم نشر العديد منها من خلال مجلدات المجلة السنوية وعددها عشرون عدداً.
- رؤية مستقبلية للتعليم من بعد في كليات التربية في العالم العربي
لا مستقبل بدون تربية ولا تربية بدون النظر الى حاجات المتعلمين ومتطلبات المجتمع المستقبلية.
وبالتالي على مستوى السياسة الاجتماعية تفرض الظروف الحالية والتطورات التقنية المتسارعة الانتقال الى ما يسمى (المجتمع عن بعد) حيث ستضعف بعض العلاقات في مجالات العمل، كونه يمكن ان يتم نقل العمل الى البيت، ولكن من ناحية اخرى يمكن أن تتعزز الروابط الاسرية لا سيم في حال كان اداء العمل والدراسة من البيت.
ويمكن اعتبار أن التعليم عن بعد هو تعليم يشجع على التعلم الذاتي الذي ركزت عليه النظريات التربوية، فالتعليم داخل الفصول في المدرسة ليس بالتعليم الكافي.
اذا يمكن اعتبار التعليم عن بعد بمثابة نقلة نوعية هامة في تطوير التعليم في وقتنا الراهن، فهو يسمح لكل طالب بإنجاز تعليمه بصورة فردية، انه رديف التعلم الذاتي الذي لا يشترط مكان او زمان محدد للدراسة أي انه يعتمد المرونة وتخطي جميع الحواجز في نقل وعرض المادة التعليمية، وفي تلقي المعلومات في أي وقت مما يمنح الحرية والوقت للدراسة بشكل افضل. بعكس النظام التعليمي التقليدي الذي يركز على التزام المواعيد، والتلقين. إذاً مع هذه الظروف والتطورات بدأ يصبح للزمن معنى مختلف وبدأ مصطلح (الوقت المرن) بالانتشار نتيجة اعتماد التكنولوجيا سواء في التعليم او العمل.
لذلك من المتوقع في قادم السنوات تغيير النظام التعليمي التقليدي من الفصول الدراسية داخل المدرسة ليأخذ مكانه خارج الفصول الدراسية وهذا قد يجعل سنوات الدراسة مختلفة ومستوى نضوج الاطفال والشباب مختلفا ومتباينا وبما ينعكس على اختلاف شخصيات الافراد.
اليوم وبعد أن ظهرت كورونا مع متحوراتها المتلاحقة بين فترة وأخرى. باتت الحاجة ملحة أكثر لتعزيز دور التعليم من بعد في ايجاد حلول المشكلات التي تواجه التعليم التقليدي. لاسيما أن التعليم عن بعد سيكون نمط التعليم السائد مستقبلا، وبالتالي فقد أصبح دمج التكنولوجيا في العملية التعليمية توجها عالميا كعامل محفز للتعليم.